هل أنت متكلم بارع ؟
هل حصل يوماً أن قمت خطيباً بين الناس تحدثهم ؟ أوهل سنحت لك فرصة أن تكون لك كلمة في مناسبة إجتماعية مثلاً ؟ أو هل اضطررت يوماً أن تقدّم عرضاً أكاديميّا في القاعة الدراسية أمام الطلبة والدكتور ؟ هل جربت تسويق فكرة معيّنة وحاولت أن تشرحها لمجموعة من الناس ؟هل اضررت يوماً أن تقوم بتحميس المجموعة التي حولك وتحفيزهم للعمل ؟ كيف كان أداؤك ؟ وما مدى تأثيرك على الجمهور ؟
هل سألت نفسك مرة لماذا ينام المصلون في خطبة الجمعة ؟؟ أو لماذا يملّ الطلبة من المحاضرة ؟؟ لماذا ترتاح لسماع شخص دون آخر ؟ لماذا يسمع الناس فلان ولا يسمعون لفلنتان ؟
السر لا يكمن في "عن ماذا يتكلم" .. "بل كيف يتكلم" .. !! ء
لذلك .. ان كنت صاحب ثقافة واسعة أو صاحب إبداعات وأفكار .. فهذا شيء جيّد .. لكن المسألة الأكبر هي كيف تتكلم عن هذه الأفكار ؟ كيف تعرض ما تريد أن تقوله ؟ كيف تستطيع أن تؤثر كلمتك على الناس ؟ كيف تكون متكلماً بارعاً ؟
هنا .. في هذه المدونة المتواضعة .. سأكشف عن الأسرار الخفية للمتكلم الناجح من خلال نقاط " فاست فوود" .. بسيطة ومختصرة مهمة .. وخذ بعين الاعتبار , أن ما سنذكره من مهارات خطابية ينطبق بشكل كبير على الكتابة أيضاً .. ء
إذاً نبدأ بسم الله ..
روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه : أنه قدم رجلان من المشرق فخطبا , فعجب الناس لبيانهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( إن من البيان لسحرا) ء
عجيب والله كلامه صلى الله عليه وسلم .. إذ أنه شبّه الخطيب البارع الفصيح بساحر يسحر عقول الناس , وكان بأبي هو وأمي ساحر ببيانه .. فكان إذا تكلم بين الصحابة رأيتهم خاشعون من تأثير كلامه كما قال العرباض بن سارية : " وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون " .. ء
فأقول .. ما أعطى الله امرئ موهبة كما أعطاه لساناً بليغاً .. ولو كان لي الخيار أن اختار موهبة واحدة , لما ترددت في أن تكون لي الفصاحة في القول وطلاقة اللسان .. لأن من حازها فقد ملك عقول الناس , ومن ملك عقول الناس ملك الدنيا بأجمعها .. ( هذي حكمة خالدة لي .. سجلها عندك بارك الله فيك (: ) ء
والعجب في هذه الموهبة .. أنها تجعلك تبدو أكبر من حجمك الطبيعي أمام الناس .. فالمتكلم الجيّد يعطي للناس انطباعاً عنه بالذكاء و قوة الشخصية و سعة الاطّلاع والعلم .. فأحياناً نجد الاقبال على الدعاة ذوي الأسلوب المؤثر أكثر إقبالاً على من هم أوسع منهم علماً .. كذلك الحال عند المرشحين والساسة .. تجد انجذاب الناس للمتكلم الساحر أكثر من انجذابهم لغيره ممن قد يكون اصلح منهم .. كل ذلك بسبب هذا البلوى الذي يسمّى اللسان .. فاللسان الصغير الذي يملكه الإنسان يعادل فعله نصف ما يفعله باقي أعضاء الجسد , وصدق شاعرنا حين قال : ء
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده * * * فلم يبقى إلا صورة اللحم والدم
وهنا قد يسأل سائل : هل الخطابة , مهارة مكتسبة .. أم هي موهبة فطرية موروثة ؟؟
فنقول أن فيها جانب فطري بسيط .. لكنها بالدرجة الأولى مهارة يمكن اكتسابها من خلال الدراسة .. وهذا ما سنذكره هنا .. ومن خلال التدريب وهذا ما ستقوم عزيزي أنت بممارسته .. وإنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم .. ء
ندخل في الموضوع أحسن ؟؟
طّيب ..
في البداية سنقسّم المهارات الخطابية إلى 5 أقسام : ء
أولاً : ماذا تفعل قبل أن تلقى الكلمة ؟
ثانياً : كيف تبدأ مقدمة حديثك ؟
ثالثاً : كيف تختتم حديثك ؟
رابعاً : أمور يجب مراعاتها أثناء حديثك
ونبدأ الآن بالحديث عن " التكتيكات " السحرية للمتحدث الناجح قبل أن يبدأ كلمته , على أمل أن نكمل الأقسام الأخرى في المقالين القادمين ..
ماذا يفعل كبار الخطباء والمتكلمين قبل خطابهم؟*
أول مهارة : شكّل حديثك حسب جمهورك . ( وهذه أهم قضية يجب مراعاتها ) ء
تخيّل أن متكلّماً فطحلاً مثل الدكتور أحمد الربعي يلقي محاضرة عصماء عن فلسفة الفكر الغربي أمام مجموعة من الأخوات في اللجنة النسائية لجمعية إحياء التراث الإسلامي ؟
أو تخيّل أن محاضراً بارعاً مثل الدكتور الدكتور طارق السويدان يحاضر محاضرة توعوية في السجن المركزي عن الإنفتاح في الإعلام الإسلامي !!؟
أو تخيّل على سبيل المثال أن سياسياً محنكاً مثل الدكتور فيصل المسلم يتكلم عن الآثار المترتبة لاستجواب وزير النفط أمام مجموعة من طلبة الثانوي !؟
كل المحاضرين الذين ذكرتهم .. يتميّزون بالخطابة الجيدة .. لكنهم حتماً لن يكونوا موفقين لو تطرقوا لهذا المواضيع أمام هذي الأنواع من الجماهير
ذلك يجب أن تعرف مدى معرفة الجمهور بالموضوع ثم تشكّل حديثك حسب معلوماتهم . وإذا كان الجمهور مخالفاً لرأيك, حدد مدى اختلافهم وابدأ بنقاط الاتفاق . واعرف مالذي يضايق الجمهور وتجنبه , فإن كانوا على سبيل المثال من طائفة مخالفة أو من مذهب آخر , فاحذر أن تمس معتقداتهم أو تستهزئ بما يتبنونه من آراء . كذلك تأكد من تغطية المقدمات التي يجب أن يستوعبها الجمهور قبل أن تبدأ بصلب الموضوع .واحرص على أن تضرب أمثلة مناسبة لواقع جمهورك .واسأل نفسك بعض الأسئلة : ء
من هم جمهوري ؟ طلبة أم رجال أعمال؟ متدينين أم متحررين؟ رياضيين أم ربات بيوت ؟
ما مدى معلوماتهم عنّي ؟ هل يعرفوني جيّداً ؟ هل يثقون بي ؟ وما نظرتهم لي ؟ معجبون أم يشكون في قدراتي ؟ وماذا يريدون هم أن يتعلموا مني ؟ وكم عدد الجمهور المتوقع ؟ وما هو موقعي بين المتكلمين ؟ وهل هناك ظروف يجب مراعاتها ؟ وماهي اللغة المناسبة ؟ عربية فصحى أم الشعبية البسيطة ؟ لغة علمية عميقة أم لغة سطحية ؟ شكل حديثك بعد الإجابة على هذه الأسئلة
ثانياً : حدد الهدف الذي ترجوه من حديثك
من الضروري جداً أن تعرف ما هي الغاية التي ترجوها من حديثك ؟ وتحديد الهدف تُعد عملية سهلة جداً , إبدأ بها وستجد أن كل شيء بعدها سيغدو سهلاً . وغالباً ما تنحصر الأهداف بالآتي : ء
بمعلومات تريد مجرد إيصالها للجمهور , أي تريدهم أن يدروا فقط
أو أنك تريد إيصال شعور معيّن , أي تريدهم أن يشعروا بالفرح أو الضحك مثلاً , أو إثارة عواطفهم تجاه قضية معينة
أو أنك تريد من جمهورك أن يقوموا بفعل , كأن تريدهم أن يصوّتوا لجمعان الحربش مثلاً , أو أنك تريدهم أن يدعموا الاتحاد الوطني لطلبة الكويت مثلاً , أو تريدهم أن يقوموا فيشتروا كتاب "العدالة الإجتماعية" ويقرأوه , أو تريدهم أ يبادروا بتسجيل أبناءهم في نادي التميز التابع لمبرة المتمزين .. أنا أقول يعني مثلاً !! ء
أو تريد تغيير قناعة الجمهور , كأن تحاول إقناع الشارع بأهمية نطبيق قانون الذمة المالية على سبيل المثال , أو إقناعهم بأن استجواب وزير النفط هو أمر سخيف وغير منطقي مثلاً
وأحيانا تكون هناك أهداف خاصة خفية , كأن تريد من وراء خطبك تحقيق شهرة أو مال أو بناء علاقة مع أحداً من مستمعينك أو ما شابه ذلك وهذا النوع من الأهداف وارداً ولا يعتبر عيباً من وجهة نظري .
ثالثاً وأخيراً : اعرف تماماً ما الذي ستتحدث بشأنه : ء
: إذا كنت تتحدث مع أمريكي بطريقة غير مفهومة , فوارد أن يقول لك
" What are you talking about ?!! "
كثير ما يقع الخطباء بهذا الخطأ وهو أنهم يشرعون بالكلام وهم لا يدرون بالضبط ماذا سيقولون , فيقعون في إحراج شديد عندما يتوقفون أثناء حديثهم ليفكروا بالجملة القادمة , فعندما تسمعهم تدرك بسهولة أنهم لم يحضروا لكلمتهم وأنهم غير جادين في حديثهم فتضطر أحياناً الانسحاب من المحاضرة وإبداء تذمرك . لذلك أقول :لا تقع في هذا الخطأ, و حضّر جيداً لما ستقوله , واجمع ما تستطيع من المعلومات اللازمة ودوّنها في كروت صغيرة أو ما تراه مناسباً , واحرص على جمع النقاط الأكثر أهمية , ولا تأخذك الحماسة و الثقة الزائدة لتقوم بالارتجال , لأن الارتجال وإن كانت مرحلة متقدمة جداً لكبار الخطباء ومظهراً من مظاهر التمكّن , فإنها ليس شرطا للخطبة الناجحة , ولا
يكن شعارك " اللي بقلبي على لساني " لأنني جربتها وكدت أن أفقده .
..
أكتفي بهذه النقاط آملاً أن أكمل بقية المهارات في المقالات القادمة بمشيئة الله . وأريد أن أشير إلى ملاحظة جديرة بالاهتمام , ألا وهي أن ما أذكره من مهارات هنا , هي بالحقيقة مهارات مدروسة ومحكمة , يتم تعليمها في بعض الأقسام العلمية في الجامعة , بل إن هناك كليات تسمى بكلية الخطابة في أمريكا . وقد اطلعت اطلاعاً بسيطاً على مبادئ هذا العلم من خلال مجموعة قليلة من الكتب أشهرها كتاب فن الخطابة لديل كارنيجي وكتاب فن الالقاء الرائع للسويدان بالاضافة إلى الدورة التي حضرتها عنده قبل أربع سنوات .فآثرت أن لا أتناول البعير وحدي فشاركت معك ما استطعت مقتصراً فقط على النقاط المهمة والعملية , تاركاً التفاصيل المملة والغير عملية , لتكون هذه المقالة وما سيتبعها عبارة عن خلاصة أكثر من 400 صفحة في موضوع فنون الخطابة .. ( اسمها خِطابة يا أم بخنق مو خَطـّابة !! ) ء